الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين الذي يسَّر بأن يرثَ هذا العلم من كلِّ خلفٍ عدولُه، ينفون عنه تأويلَ الجاهلين، وانتِحال المبطلين، وتَحريف الغالين.
وبعدُ:
سأعرض بعضَ آراء المعتزلة لننظُرَ مدى وجود هذه الآراء في عصرنا، وهل هذه الفرقة في عداد التَّاريخ أو أنَّ لها تأثيرًا على بعض الكتَّاب والمفكِّرين المعاصرين؟
المعتزلة قدَّموا العقل على النصوص وجعلوه حاكمًا على النصوص، فإن كان النَّصُّ آيةً من كتاب الله لا سبيلَ إلى ردِّه أو التَّشكيك في ثبوتِه، لجؤوا إلى تَحريف النصِّ وصرفه عن ظاهره، ليوافق نتائج القواعد التي قعَّدوها والأصول التي أصَّلوها بعقولهم القاصرة، أمَّا إذا كان النَّصُّ حديثًا فالأمر عندهم أخفُّ، فيُرَدُّ لأنَّه خبرُ آحادٍ فليس قطعيَّ الثبوت، فيحتمل الخطأ، وقد عارض القطْعيَّ بزعمهم وهو العقل، فمجَّدوا العقل وجعلوه هو الحَكَم حتَّى فيما لا يُدرَك بالعقل، كالذي يتعلَّق بذات الله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر وعالم الغيب، فقد كانوا يطْرحون المسألة ثم يعرِضونَها على عقولِهم، فيُثبتون لها حكمًا، وحينما يصدرون الحكم يأتي النَّظر في الأدلَّة النقليَّة من الكتاب والسنَّة، فالعقل مقدَّم وحاكم عندهم على النقْل.
قارن ذلك بما تسمعه وتقرؤه عبر وسائل الإعلام من تَمجيد العقْل، وحتميَّة الرجوع إليْه، وإصدار الأحكام على ضوئِه، وأنَّ الأحكام الشرعيَّة نزلت في فترة زمنيَّة معيَّنة، فلابد من إعادة النَّظر في تراثنا الفقهي ليواكب العصر في الحكم لا في طريقة العرض.
تأثَّر المعتزلة بكتُب الفلسفة المترجمة من اليونان، وأكبُّوا عليها وبنوا عليها أفكارهم وأصولهم مع شيء من التنقيح، حتَّى لا يصادموا الناس في مسلَّماتهم العقديَّة، فعظم في نفوسهم قدر هؤلاء الفلاسفة وجعلوهم في مرتبة تُقارِب مرتبة النبي.
قارِنْ ذلك بما تسمعه وتقرؤُه من المحاولات للتَّوفيق بين أقْوال وآراء وأفكار الغرب، وأنَّها لا تُخالف الدين الإسلامي، وإظهار الغرب بالمظهر الحسن وتحسين وجهه القبيح.
وعظُمت محبَّة كتب الفلسفة وما فيها عند المعتزلة، وجعلوها مقدَّمة وحاكمة على كتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، وما خالفها لابدَّ من ليِّه ليوافق ما فيها.
قارِنْ ذلك بما تسمعُه وتقرؤُه من تعظيم الفلاسفة ومنظِّري الغرب، وأنَّ الغرب تقدَّم عندما أعمل الفِكْر الفلسفي وابتعدَ عمَّا تفرضه عليه الكنيسة.
رمَى المعتزلة الصَّحابة بالتَّناقُض حتَّى لم يسلم منهم الصدِّيق، ونسبوا أبا هُريرة وغيره من الصَّحابة إلى الكذِب، واحتقروا علماء التَّابعين المنافحين عن السنَّة وازْدَرَوْهم، حتى قال عمرو بن عبيد - وهو من كبار متقدِّميهم -: "ألا تسمعون؟! ما كلام الحسن البصري وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيضة ملْقاة"، فكلام السلف عندهم بمثابة فوط الحيض المستعملة.
قارن ذلك بما تسمعُه وتقرؤه من الغمْز بالصَّحابة وسلَف هذه الأمَّة، والطَّعن بالعُلماء المنافحين عن مذهَبِ السَّلف، القامعين للمُبْتَدعة من معتزلة ورافضة وغيرهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب وغيرهم، فإسْقاط هؤلاء إسقاطٌ لِما يحملونه من الإِرْث الشَّرعي الذي تناقلوه خلفًا عن سلف.
قارِنْ ذلك بما تسمعُه وتقرؤُه من أنَّ الغرب تقدَّم عندما تخلَّص من تقْديس المرجعيَّات، واستِخْدام نحو ذلك من العبارات المُبْهمة التي تحتمِل حقًّا وباطِلاً.
إخوتي:
نلاحِظُ التبايُن بين اهتِمام المعتزلة المتقدِّمين وبين معتزلة عصرنا، وهذا أمر طبعي لاختِلاف الظروف، فنشأتْ فرقة المعتزلة في القرن الثاني وهو من القرون المفضَّلة فكان الدين هو المهَيْمِن على حياة النَّاس؛ فلذا برزت مسألة المنزلة بين المنزِلتين لمرتكب الكبيرة، حيث كان الناس على خير وصلاح والفِسْق قليل نسبيًّا، فظهر الفجور بعد ذلك فظهر الكلام على حُكْم مرتكب الكبيرة، ودخل في الإسلام الفرس والروم وغيرهم من العجم، وكانوا يعتَمِدون على علم الكلام وهو إثْبات العقائد بالأدلَّة العقليَّة، فظهرت آراء المعتزِلة في الأسماء والصِّفات مقابل الآراء الموروثة لِمن دخل في الإسلام من غير العرب.
أمَّا في عصرنا، فالتقدُّم العلمي لدى الغرب، وهيْمنة مبادئ الحضارة الغربية ومحاولة فرضها على غير الغربيِّين، فاعتنى معتزِلة العصْر بسبب التقدُّم العلمي وبعْض المبادئ الغربيَّة، لاسيَّما ما يتعلَّق بالمرأة، فتبنَّوْا هذه الأفكار وناقشوها نقاشًا عقليًّا مُحاولين تطْويع النُّصوص لتُوافق اعتقادَهم، وردّ ما لا يمكن تطويعه من النصوص.
فالاختِلاف بين متقدِّمي المعتزلة ومتأخِّريهم اختلاف في الاهتمامات، أمَّا المنهج، ففيه توافُق إلى حدٍّ كبير على ما تقدَّم بيانه.
رابط الموضوع:https://aboadwy.yoo7.com/post?f=23&mode=newtopic
الحمد لله ربِّ العالمين الذي يسَّر بأن يرثَ هذا العلم من كلِّ خلفٍ عدولُه، ينفون عنه تأويلَ الجاهلين، وانتِحال المبطلين، وتَحريف الغالين.
وبعدُ:
سأعرض بعضَ آراء المعتزلة لننظُرَ مدى وجود هذه الآراء في عصرنا، وهل هذه الفرقة في عداد التَّاريخ أو أنَّ لها تأثيرًا على بعض الكتَّاب والمفكِّرين المعاصرين؟
المعتزلة قدَّموا العقل على النصوص وجعلوه حاكمًا على النصوص، فإن كان النَّصُّ آيةً من كتاب الله لا سبيلَ إلى ردِّه أو التَّشكيك في ثبوتِه، لجؤوا إلى تَحريف النصِّ وصرفه عن ظاهره، ليوافق نتائج القواعد التي قعَّدوها والأصول التي أصَّلوها بعقولهم القاصرة، أمَّا إذا كان النَّصُّ حديثًا فالأمر عندهم أخفُّ، فيُرَدُّ لأنَّه خبرُ آحادٍ فليس قطعيَّ الثبوت، فيحتمل الخطأ، وقد عارض القطْعيَّ بزعمهم وهو العقل، فمجَّدوا العقل وجعلوه هو الحَكَم حتَّى فيما لا يُدرَك بالعقل، كالذي يتعلَّق بذات الله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر وعالم الغيب، فقد كانوا يطْرحون المسألة ثم يعرِضونَها على عقولِهم، فيُثبتون لها حكمًا، وحينما يصدرون الحكم يأتي النَّظر في الأدلَّة النقليَّة من الكتاب والسنَّة، فالعقل مقدَّم وحاكم عندهم على النقْل.
قارن ذلك بما تسمعه وتقرؤه عبر وسائل الإعلام من تَمجيد العقْل، وحتميَّة الرجوع إليْه، وإصدار الأحكام على ضوئِه، وأنَّ الأحكام الشرعيَّة نزلت في فترة زمنيَّة معيَّنة، فلابد من إعادة النَّظر في تراثنا الفقهي ليواكب العصر في الحكم لا في طريقة العرض.
تأثَّر المعتزلة بكتُب الفلسفة المترجمة من اليونان، وأكبُّوا عليها وبنوا عليها أفكارهم وأصولهم مع شيء من التنقيح، حتَّى لا يصادموا الناس في مسلَّماتهم العقديَّة، فعظم في نفوسهم قدر هؤلاء الفلاسفة وجعلوهم في مرتبة تُقارِب مرتبة النبي.
قارِنْ ذلك بما تسمعه وتقرؤُه من المحاولات للتَّوفيق بين أقْوال وآراء وأفكار الغرب، وأنَّها لا تُخالف الدين الإسلامي، وإظهار الغرب بالمظهر الحسن وتحسين وجهه القبيح.
وعظُمت محبَّة كتب الفلسفة وما فيها عند المعتزلة، وجعلوها مقدَّمة وحاكمة على كتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، وما خالفها لابدَّ من ليِّه ليوافق ما فيها.
قارِنْ ذلك بما تسمعُه وتقرؤُه من تعظيم الفلاسفة ومنظِّري الغرب، وأنَّ الغرب تقدَّم عندما أعمل الفِكْر الفلسفي وابتعدَ عمَّا تفرضه عليه الكنيسة.
رمَى المعتزلة الصَّحابة بالتَّناقُض حتَّى لم يسلم منهم الصدِّيق، ونسبوا أبا هُريرة وغيره من الصَّحابة إلى الكذِب، واحتقروا علماء التَّابعين المنافحين عن السنَّة وازْدَرَوْهم، حتى قال عمرو بن عبيد - وهو من كبار متقدِّميهم -: "ألا تسمعون؟! ما كلام الحسن البصري وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيضة ملْقاة"، فكلام السلف عندهم بمثابة فوط الحيض المستعملة.
قارن ذلك بما تسمعُه وتقرؤه من الغمْز بالصَّحابة وسلَف هذه الأمَّة، والطَّعن بالعُلماء المنافحين عن مذهَبِ السَّلف، القامعين للمُبْتَدعة من معتزلة ورافضة وغيرهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب وغيرهم، فإسْقاط هؤلاء إسقاطٌ لِما يحملونه من الإِرْث الشَّرعي الذي تناقلوه خلفًا عن سلف.
قارِنْ ذلك بما تسمعُه وتقرؤُه من أنَّ الغرب تقدَّم عندما تخلَّص من تقْديس المرجعيَّات، واستِخْدام نحو ذلك من العبارات المُبْهمة التي تحتمِل حقًّا وباطِلاً.
إخوتي:
نلاحِظُ التبايُن بين اهتِمام المعتزلة المتقدِّمين وبين معتزلة عصرنا، وهذا أمر طبعي لاختِلاف الظروف، فنشأتْ فرقة المعتزلة في القرن الثاني وهو من القرون المفضَّلة فكان الدين هو المهَيْمِن على حياة النَّاس؛ فلذا برزت مسألة المنزلة بين المنزِلتين لمرتكب الكبيرة، حيث كان الناس على خير وصلاح والفِسْق قليل نسبيًّا، فظهر الفجور بعد ذلك فظهر الكلام على حُكْم مرتكب الكبيرة، ودخل في الإسلام الفرس والروم وغيرهم من العجم، وكانوا يعتَمِدون على علم الكلام وهو إثْبات العقائد بالأدلَّة العقليَّة، فظهرت آراء المعتزِلة في الأسماء والصِّفات مقابل الآراء الموروثة لِمن دخل في الإسلام من غير العرب.
أمَّا في عصرنا، فالتقدُّم العلمي لدى الغرب، وهيْمنة مبادئ الحضارة الغربية ومحاولة فرضها على غير الغربيِّين، فاعتنى معتزِلة العصْر بسبب التقدُّم العلمي وبعْض المبادئ الغربيَّة، لاسيَّما ما يتعلَّق بالمرأة، فتبنَّوْا هذه الأفكار وناقشوها نقاشًا عقليًّا مُحاولين تطْويع النُّصوص لتُوافق اعتقادَهم، وردّ ما لا يمكن تطويعه من النصوص.
فالاختِلاف بين متقدِّمي المعتزلة ومتأخِّريهم اختلاف في الاهتمامات، أمَّا المنهج، ففيه توافُق إلى حدٍّ كبير على ما تقدَّم بيانه.
رابط الموضوع:https://aboadwy.yoo7.com/post?f=23&mode=newtopic
السبت أبريل 23, 2016 12:15 pm من طرف ابوصدام عدى
» فرح حسن قرشى ابوعدوى
السبت أبريل 16, 2016 7:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» الغاز الغاز....................وفوازير
الخميس أبريل 14, 2016 9:03 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين................................. ,,,
الخميس أبريل 14, 2016 9:00 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين.........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هو ........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:58 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هى ....................
الخميس أبريل 14, 2016 8:57 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسءله كم مساحه الاتى
الخميس أبريل 14, 2016 8:56 pm من طرف ابوصدام عدى
» اكثر من 200 سؤالاً وجواباً منوعة-أسئلة مسابقات
الخميس أبريل 14, 2016 8:55 pm من طرف ابوصدام عدى