أعلم الناس في
عصره، وأعظم وأشهر عالم بوظائف الأعضاء في القرون الوسطى برُمَّتِها،
والرائد الذي مَهَّد الطريق أمام وليام هارفي، العالم الفسيولوجي الإنجليزي
مكتشف الدورة الدموية الكبرى سنة (1628م).. استطاع اكتشاف الدورة الدموية
الصغرى، وأن يصفها لأول مرة ليكون رائدًا لمن أتوا بعده!
وبحقٍّ كان
مثالاً للعالِم الورع التقيِّ المنقطع للعلم، وواحدًا من أكبر الأطباء
العرب والمسلمين الذين حقَّقُوا اكتشافات عظيمة وجليلة، يفتخر به الطب
الإسلامي والحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا.
قال عنه
السبكي: وأمَّا الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن
سينا مثله. قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا. وقال الإسنوي: كان
إمام وقته في فنِّه شرقًا وغربًا بلا مدافعة، أعجوبةً فيه وفي غاية الذكاء.
وكان قد أُشكِل على جالينوس فادَّعى أن في الحاجز الذي بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر في
القلب ثقوبًا غير منظورة؛ يتسرب فيها الدم من الجانب الواحد إلى الجانب
الآخر، وما وظيفة الرئتين إلاَّ أن ترفرفا فوق القلب فتُبَرِّدَا حرارته
وحرارة الدم، ويتسرب شيءٌ من الهواء فيها بواسطة المنافذ التي بينهما وبين
القلب فيُغَذِّي ذلك القلب والدم.
فجاء هو
وعارض هذه النظرية معارضة شديدة، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشكِّ أن
اليونان لم يفهموا وظيفة الرئتين والأوعية التي بين القلب والرئتين، وأنه
فهم وظيفتها وأوعيتها، وتركيب الرئة والأوعية الشَّعْرية التي بين الشرايين
والأوردة الرئوية، وشرح الفُرَج الرئوية شرحًا واضحًا، كما فهم أيضًا
وظائف الأوعية الإكليلية، وأنها تنقل الدم ليتغذَّى القلب به، ونفى التعليم
القائل بأن القلب يتغذَّى من الدم الموجود في البُطَيْنِ الأيمن.
ثم كَرَّر
تعاليمه في الدورة الدموية الصغرى وطريقة عملها؛ ذلك أنه كَرَّر هذه
التعاليم في خمسة مواضع متفرِّقَة، ذاكرًا آراء ابن سينا، ومكرِّرًا أقوال
جالينوس التي اعتمد عليها ابن سينا، ثم عارضها بمنتهى الحماسة.. وكان
حقيقًا بعد بأن يصفه جورج سارتون بأنه أوَّل مَن اكتشف الدورة الدموية،
ليكون بذلك الرائد لوليام هارفي الذي يُنسب إليه هذا الاكتشاف.
إنه الفقيه
الطبيب العلامة علاء الدين علي بن أبي الحزم (607-687 هـ/1210-1288م)،
القَرْشي (بلدة ما وراء النهر) الدمشقي، الملقب بابن النفيس، وهو سوري
وُلِدَ في قرية (قَرْش) بالقرب من دمشق.
نشأة ابن النفيس العالِم:
كغيره من علماء
المسلمين بدأ ابن النفيس حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم، وكذا درس النحو
واللغة، والفقه والأصول والحديث، والمنطق والسيرة وغيرها، ثم وفي سنة
(629هـ/1231م) وهو في الثانية والعشرين من عمره اتجه إلى دراسة الطب، وذلك
بعد أزمة صحية ألمَّت به، وتراه يحكي ذلك فيقول: "قد عرض لنا حميات مختلفة،
وكانت سنُّنَا في ذلك الزمان قريبة من اثنتين وعشرين سنة، ومن حين عوفينا
من تلك المرضة حَمَلنا سوء ظنِّنَا بأولئك الأطباء (وهم الذين عالجوه) على
الاشتغال بصناعة الطب لننفع بها الناس".
وكان
تعليمه الطب في دمشق على يد طبيب العيون البارع مهذب الدين عبد الرحمن
المشهور باسم الدخوار، وهو أحد كبار الأطباء في التاريخ الإسلامي، وكان في
ذلك الوقت كبير الأطباء في البيمارستان النوري العظيم، الذي أنشأه نور
الدين محمود واجتذب إليه أمهر أطباء العصر الذين توافدوا عليه من كل مكان،
وكان من أساتذته في الطب أيضًا عمران الإسرائيلي، ورضي الدين الرجي.
وكان رفيق
دراسته ابن أبي أصيبعة (صاحب طبقات الأطباء)، وقد رحلا معًا إلى القاهرة
سنة (633هـ)، وعملا في البيمارستان الناصري الذي شغل فيه ابن النفيس منصب
الرئاسة، وعميدًا للمدرسة الطبية الملتحقة به، وشغل ابن أبي أصيبعة منصب
رئيس قسم الكحالة.
ولم يكتفِ
ابن النفيس بما درسه على أساتذة عظام في البيمارستان النوري، بل إنه انكبَّ
أيضًا على كُتب ابن سينا وأبقراط وجالينوس، وغيرهم، وقال البعض: إنه كان
يحفظ كتاب القانون في الطب لابن سينا عن ظهر قلب.
كما أنه
اهتمَّ أيضًا بدراسة الفلسفة والمنطق والبيان، وتعمَّق في دراسة الفقه،
وعلوم الشريعة، حتى إنه أصبح أستاذًا للفقه الشافعي في المدرسة المسرورية
بالقاهرة، إلى جانب نبوغه وعبقريته في الطب.
العالم المغمور:
لم يكن ابن النفيس
مجهولاً في عصره؛ فقد أطنب في الحديث عنه العمري في مسالك الأبصار، والصفدي
في الوافي بالوفيات، وابن أبي أصيبعة في إحدى مخطوطاته (طبقات الأطباء)،
إلاَّ أن ابن النفيس لم يأخذ حقَّه من الذيوع والشهرة بما يوازي ويضارع
إنتاجه واكتشافاته؛ ولعل ذلك بسبب عدم تقدير أو عدم الإحاطة بهذه
الاكتشافات في ذلك الوقت.
وقد تناول
ابنَ النفيس من المُحْدَثِينَ من الأجانب لكلير في كتابه (الطب العربي)،
والمستشرق الألماني مايرهوف في كثير من مقالاته، ووضع الدكتور بول غليونجي
كتابًا وافيًا يُعَدُّ أجمع كتاب عن ابن النفيس.
ويقرر بول
في كتابه هذا بأن أوَّل مَن كشف عن ابن النفيس في وقتنا الحاضر، وردَّ إليه
اعتباره، هو الطبيب المصري الدكتور محيي الدين التطاوي؛ حيث عثر على نسخة
من مخطوطة (شرح تشريح القانون) لابن النفيس في مكتبة برلين، وقام بإعداد
رسالة في الدكتوراه عنها، وعني فيها بجانب واحد من جوانب هذا الكتاب
العظيم، ألا وهو موضوع: (الدورة الدموية تبعًا للقرْشي)، وذلك سنة
(1343هـ/1924م)، وقد ذُهل أساتذته والمشرفون على الرسالة، وأصابتهم الدهشة
حين اطلعوا على ما فيها، وما كادوا يصدقونه!
ولجهلهم
باللغة العربية بعثوا بنسخة من الرسالة إلى الدكتور مايرهوف المستشرق
الألماني الذي كان آنذاك يقيم بالقاهرة، وطلبوا رأيه فيما كتبه الباحث،
وكانت النتيجة أن أيَّد مايرهوف الدكتور التطاوي، وأبلغ حقيقةَ ما كشفه من
جهود ابن النفيس إلى المؤرخ جورج سارتون، فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من
كتابه المعروف (تاريخ العلم)، ثم بادر مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى
لابن النفيس وعن تراجم له، ونشر نتيجة بحوثه في عدَّة مقالات.. ومنذ ذلك
الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه!
ابن النفيس والدورة الدموية:
اقترن اسم ابن
النفيس باكتشاف الدورة الدموية الصغرى، والتي سجَّلَها بدقَّة في كتابه
(شرح تشريح القانون)، إلاَّ أن هذه الحقيقة ظلَّت مختفية قرونًا طويلة،
ونُسبت وهمًا إلى الطبيب الإنجليزي وليام هارفي (ت 1068هـ/1657م) الذي بحث
في دورة الدم بعد وفاة ابن النفيس بأكثر من ثلاثة قرون، وظلَّ الناس
يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة الدكتور محيي الدين التطاوي في
رسالته كما أشرنا سابقًا.
وكان
الطبيب الإيطالي ألباجو قد ترجم في سنة (954هـ/1547م) أقسامًا من كتاب ابن
النفيس (شرح تشريح القانون) إلى اللاتينية، وهذا الطبيب أقام ما يقرب من
ثلاثين عامًا في (الرها) وأتقن اللغة العربية؛ لينقل منها إلى اللاتينية،
وكان القسم المتعلِّق بالدورة الدموية في الرئة ضمن ما ترجمه من أقسام
الكتاب، إلاَّ أن هذه الترجمة فُقدت، واتُّفِقَ أن عالمًا إسبانيًّا ليس من
رجال الطب كان يُدعى (سيرفيتوس) كان يدرس في جامعة باريس اطلع على ما
ترجمه ألباجو من كتاب ابن النفيس، ونظرًا لاتهام سيرفيتوس في عقيدته، فقد
طُرِدَ من الجامعة، وتشرَّد بين المدن، وانتهى به الحال إلى الإعدام حرقًا،
هو وأكثر كتبه في سنة (1065هـ/1553م).
على أن مِن
عَدْلِ الأقدار أن بقيت بعضُ كتبه دون حرق، وكان من بينها ما نقله عن
ترجمة ألباجو عن ابن النفيس فيما يخصُّ الدورة الدموية، واعتقد الباحثون أن
فضل اكتشافها يعود إلى هذا العالم الإسباني، ومن بعده هارفي حتى سنة
(1343هـ/1924م) حين صحح الطبيب المصري هذا الوهم، وأعاد الحقَّ إلى صاحبه.
وقد أثار
ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم مايرهوف المستشرق
الألماني الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: "إن ما أذهلني هو مشابهة،
لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي
تُرجمت ترجمة حرفية... أي أن سيرفيتوس - وهو رجل دين متحرِّر وليس طبيبًا -
قد ذكر الدورة الدموية في الرئة بلغة ابن النفيس الذي عاش قبله بما يزيد
على القرن والنصف".
ولمَّا
اطلع الدوميلي على المتنين قال: "إن لابن النفيس وصفًا للدوران الصغير
تُطَابِق كلماته كلمات سيرفيتوس تمامًا، وهكذا فمن الحقِّ الصريح أن يُعزى
كشف الدوران الرئيسي إلى ابن النفيس لا إلى سيرفيتوس أو هارفي".
وتُعتبر
اكتشاف الدورة الدموية الصغرى واحدة فقط من إسهامات واكتشافات ابن النفيس
العديدة؛ فهو - بحسب ما كُتِبَ عنه حديثًا - يُعَدُّ مكتشف الدورتين الصغرى
والكبرى للدورة الدموية، وواضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية، وكشف
العديد من الحقائق التشريحية، وجمع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في
عصره، وقَدَّم للعلم قواعد للبحث العلمي وتصوُّرات للمنهج العلمي التجريبي.
>>>
عصره، وأعظم وأشهر عالم بوظائف الأعضاء في القرون الوسطى برُمَّتِها،
والرائد الذي مَهَّد الطريق أمام وليام هارفي، العالم الفسيولوجي الإنجليزي
مكتشف الدورة الدموية الكبرى سنة (1628م).. استطاع اكتشاف الدورة الدموية
الصغرى، وأن يصفها لأول مرة ليكون رائدًا لمن أتوا بعده!
وبحقٍّ كان
مثالاً للعالِم الورع التقيِّ المنقطع للعلم، وواحدًا من أكبر الأطباء
العرب والمسلمين الذين حقَّقُوا اكتشافات عظيمة وجليلة، يفتخر به الطب
الإسلامي والحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا.
قال عنه
السبكي: وأمَّا الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن
سينا مثله. قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا. وقال الإسنوي: كان
إمام وقته في فنِّه شرقًا وغربًا بلا مدافعة، أعجوبةً فيه وفي غاية الذكاء.
وكان قد أُشكِل على جالينوس فادَّعى أن في الحاجز الذي بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر في
القلب ثقوبًا غير منظورة؛ يتسرب فيها الدم من الجانب الواحد إلى الجانب
الآخر، وما وظيفة الرئتين إلاَّ أن ترفرفا فوق القلب فتُبَرِّدَا حرارته
وحرارة الدم، ويتسرب شيءٌ من الهواء فيها بواسطة المنافذ التي بينهما وبين
القلب فيُغَذِّي ذلك القلب والدم.
فجاء هو
وعارض هذه النظرية معارضة شديدة، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشكِّ أن
اليونان لم يفهموا وظيفة الرئتين والأوعية التي بين القلب والرئتين، وأنه
فهم وظيفتها وأوعيتها، وتركيب الرئة والأوعية الشَّعْرية التي بين الشرايين
والأوردة الرئوية، وشرح الفُرَج الرئوية شرحًا واضحًا، كما فهم أيضًا
وظائف الأوعية الإكليلية، وأنها تنقل الدم ليتغذَّى القلب به، ونفى التعليم
القائل بأن القلب يتغذَّى من الدم الموجود في البُطَيْنِ الأيمن.
ثم كَرَّر
تعاليمه في الدورة الدموية الصغرى وطريقة عملها؛ ذلك أنه كَرَّر هذه
التعاليم في خمسة مواضع متفرِّقَة، ذاكرًا آراء ابن سينا، ومكرِّرًا أقوال
جالينوس التي اعتمد عليها ابن سينا، ثم عارضها بمنتهى الحماسة.. وكان
حقيقًا بعد بأن يصفه جورج سارتون بأنه أوَّل مَن اكتشف الدورة الدموية،
ليكون بذلك الرائد لوليام هارفي الذي يُنسب إليه هذا الاكتشاف.
إنه الفقيه
الطبيب العلامة علاء الدين علي بن أبي الحزم (607-687 هـ/1210-1288م)،
القَرْشي (بلدة ما وراء النهر) الدمشقي، الملقب بابن النفيس، وهو سوري
وُلِدَ في قرية (قَرْش) بالقرب من دمشق.
نشأة ابن النفيس العالِم:
كغيره من علماء
المسلمين بدأ ابن النفيس حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم، وكذا درس النحو
واللغة، والفقه والأصول والحديث، والمنطق والسيرة وغيرها، ثم وفي سنة
(629هـ/1231م) وهو في الثانية والعشرين من عمره اتجه إلى دراسة الطب، وذلك
بعد أزمة صحية ألمَّت به، وتراه يحكي ذلك فيقول: "قد عرض لنا حميات مختلفة،
وكانت سنُّنَا في ذلك الزمان قريبة من اثنتين وعشرين سنة، ومن حين عوفينا
من تلك المرضة حَمَلنا سوء ظنِّنَا بأولئك الأطباء (وهم الذين عالجوه) على
الاشتغال بصناعة الطب لننفع بها الناس".
وكان
تعليمه الطب في دمشق على يد طبيب العيون البارع مهذب الدين عبد الرحمن
المشهور باسم الدخوار، وهو أحد كبار الأطباء في التاريخ الإسلامي، وكان في
ذلك الوقت كبير الأطباء في البيمارستان النوري العظيم، الذي أنشأه نور
الدين محمود واجتذب إليه أمهر أطباء العصر الذين توافدوا عليه من كل مكان،
وكان من أساتذته في الطب أيضًا عمران الإسرائيلي، ورضي الدين الرجي.
وكان رفيق
دراسته ابن أبي أصيبعة (صاحب طبقات الأطباء)، وقد رحلا معًا إلى القاهرة
سنة (633هـ)، وعملا في البيمارستان الناصري الذي شغل فيه ابن النفيس منصب
الرئاسة، وعميدًا للمدرسة الطبية الملتحقة به، وشغل ابن أبي أصيبعة منصب
رئيس قسم الكحالة.
ولم يكتفِ
ابن النفيس بما درسه على أساتذة عظام في البيمارستان النوري، بل إنه انكبَّ
أيضًا على كُتب ابن سينا وأبقراط وجالينوس، وغيرهم، وقال البعض: إنه كان
يحفظ كتاب القانون في الطب لابن سينا عن ظهر قلب.
كما أنه
اهتمَّ أيضًا بدراسة الفلسفة والمنطق والبيان، وتعمَّق في دراسة الفقه،
وعلوم الشريعة، حتى إنه أصبح أستاذًا للفقه الشافعي في المدرسة المسرورية
بالقاهرة، إلى جانب نبوغه وعبقريته في الطب.
العالم المغمور:
لم يكن ابن النفيس
مجهولاً في عصره؛ فقد أطنب في الحديث عنه العمري في مسالك الأبصار، والصفدي
في الوافي بالوفيات، وابن أبي أصيبعة في إحدى مخطوطاته (طبقات الأطباء)،
إلاَّ أن ابن النفيس لم يأخذ حقَّه من الذيوع والشهرة بما يوازي ويضارع
إنتاجه واكتشافاته؛ ولعل ذلك بسبب عدم تقدير أو عدم الإحاطة بهذه
الاكتشافات في ذلك الوقت.
وقد تناول
ابنَ النفيس من المُحْدَثِينَ من الأجانب لكلير في كتابه (الطب العربي)،
والمستشرق الألماني مايرهوف في كثير من مقالاته، ووضع الدكتور بول غليونجي
كتابًا وافيًا يُعَدُّ أجمع كتاب عن ابن النفيس.
ويقرر بول
في كتابه هذا بأن أوَّل مَن كشف عن ابن النفيس في وقتنا الحاضر، وردَّ إليه
اعتباره، هو الطبيب المصري الدكتور محيي الدين التطاوي؛ حيث عثر على نسخة
من مخطوطة (شرح تشريح القانون) لابن النفيس في مكتبة برلين، وقام بإعداد
رسالة في الدكتوراه عنها، وعني فيها بجانب واحد من جوانب هذا الكتاب
العظيم، ألا وهو موضوع: (الدورة الدموية تبعًا للقرْشي)، وذلك سنة
(1343هـ/1924م)، وقد ذُهل أساتذته والمشرفون على الرسالة، وأصابتهم الدهشة
حين اطلعوا على ما فيها، وما كادوا يصدقونه!
ولجهلهم
باللغة العربية بعثوا بنسخة من الرسالة إلى الدكتور مايرهوف المستشرق
الألماني الذي كان آنذاك يقيم بالقاهرة، وطلبوا رأيه فيما كتبه الباحث،
وكانت النتيجة أن أيَّد مايرهوف الدكتور التطاوي، وأبلغ حقيقةَ ما كشفه من
جهود ابن النفيس إلى المؤرخ جورج سارتون، فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من
كتابه المعروف (تاريخ العلم)، ثم بادر مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى
لابن النفيس وعن تراجم له، ونشر نتيجة بحوثه في عدَّة مقالات.. ومنذ ذلك
الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه!
ابن النفيس والدورة الدموية:
اقترن اسم ابن
النفيس باكتشاف الدورة الدموية الصغرى، والتي سجَّلَها بدقَّة في كتابه
(شرح تشريح القانون)، إلاَّ أن هذه الحقيقة ظلَّت مختفية قرونًا طويلة،
ونُسبت وهمًا إلى الطبيب الإنجليزي وليام هارفي (ت 1068هـ/1657م) الذي بحث
في دورة الدم بعد وفاة ابن النفيس بأكثر من ثلاثة قرون، وظلَّ الناس
يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة الدكتور محيي الدين التطاوي في
رسالته كما أشرنا سابقًا.
وكان
الطبيب الإيطالي ألباجو قد ترجم في سنة (954هـ/1547م) أقسامًا من كتاب ابن
النفيس (شرح تشريح القانون) إلى اللاتينية، وهذا الطبيب أقام ما يقرب من
ثلاثين عامًا في (الرها) وأتقن اللغة العربية؛ لينقل منها إلى اللاتينية،
وكان القسم المتعلِّق بالدورة الدموية في الرئة ضمن ما ترجمه من أقسام
الكتاب، إلاَّ أن هذه الترجمة فُقدت، واتُّفِقَ أن عالمًا إسبانيًّا ليس من
رجال الطب كان يُدعى (سيرفيتوس) كان يدرس في جامعة باريس اطلع على ما
ترجمه ألباجو من كتاب ابن النفيس، ونظرًا لاتهام سيرفيتوس في عقيدته، فقد
طُرِدَ من الجامعة، وتشرَّد بين المدن، وانتهى به الحال إلى الإعدام حرقًا،
هو وأكثر كتبه في سنة (1065هـ/1553م).
على أن مِن
عَدْلِ الأقدار أن بقيت بعضُ كتبه دون حرق، وكان من بينها ما نقله عن
ترجمة ألباجو عن ابن النفيس فيما يخصُّ الدورة الدموية، واعتقد الباحثون أن
فضل اكتشافها يعود إلى هذا العالم الإسباني، ومن بعده هارفي حتى سنة
(1343هـ/1924م) حين صحح الطبيب المصري هذا الوهم، وأعاد الحقَّ إلى صاحبه.
وقد أثار
ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين، وفي مقدمتهم مايرهوف المستشرق
الألماني الذي كتب في أحد بحوثه عن ابن النفيس: "إن ما أذهلني هو مشابهة،
لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي
تُرجمت ترجمة حرفية... أي أن سيرفيتوس - وهو رجل دين متحرِّر وليس طبيبًا -
قد ذكر الدورة الدموية في الرئة بلغة ابن النفيس الذي عاش قبله بما يزيد
على القرن والنصف".
ولمَّا
اطلع الدوميلي على المتنين قال: "إن لابن النفيس وصفًا للدوران الصغير
تُطَابِق كلماته كلمات سيرفيتوس تمامًا، وهكذا فمن الحقِّ الصريح أن يُعزى
كشف الدوران الرئيسي إلى ابن النفيس لا إلى سيرفيتوس أو هارفي".
وتُعتبر
اكتشاف الدورة الدموية الصغرى واحدة فقط من إسهامات واكتشافات ابن النفيس
العديدة؛ فهو - بحسب ما كُتِبَ عنه حديثًا - يُعَدُّ مكتشف الدورتين الصغرى
والكبرى للدورة الدموية، وواضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية، وكشف
العديد من الحقائق التشريحية، وجمع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في
عصره، وقَدَّم للعلم قواعد للبحث العلمي وتصوُّرات للمنهج العلمي التجريبي.
>>>
السبت أبريل 23, 2016 12:15 pm من طرف ابوصدام عدى
» فرح حسن قرشى ابوعدوى
السبت أبريل 16, 2016 7:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» الغاز الغاز....................وفوازير
الخميس أبريل 14, 2016 9:03 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين................................. ,,,
الخميس أبريل 14, 2016 9:00 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين.........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هو ........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:58 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هى ....................
الخميس أبريل 14, 2016 8:57 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسءله كم مساحه الاتى
الخميس أبريل 14, 2016 8:56 pm من طرف ابوصدام عدى
» اكثر من 200 سؤالاً وجواباً منوعة-أسئلة مسابقات
الخميس أبريل 14, 2016 8:55 pm من طرف ابوصدام عدى