بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد ..
فإن مما لاشك فيه أن الإنسان بطبيعته يميل إلىالإلفة، ويفضل العيش ضمن إطار متماسك، يستوعب الكفاءات ويوحد الطاقات، ولذا عملتالبشرية على تكوين مجتمعات منذ فجر التاريخ، ولكن اختلاف طبائع البشر ومصالحهم،أدى إلى تنافر وخصومة بين تلك المجتمعات، فبعث الله الأنبياء لينظموا علاقة البشرببعضهم على مستوى الفرد والجماعة، فبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا للأمة،ولكن ذلك لم يمنع دعاوى التفرد بالحق والاختصاص بالدين، فما زالت بعض الجماعات ترىأن النجاة حكر عليها فـ﴿وَقَالَتِالْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِالْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَلَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(113)﴾[البقرة].
وعند بزوغ فجر الإسلام كانت البشرية قد بلغتالمدى من العداوة والتشرذم، حيث أصبحت المجتمعات شيعاً وأحزاباً متنافرة، تمزقهاالخصومة وتستنِزف طاقتها العداوة والأحقاد، فعمل على لمَّ شعث الناس، وجمع شتاتهم،وأبدلهم بالتنافر إلفة وبالعداوة محبة، ونادى فيهم: ﴿إِنَّهَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)﴾[الأنبياء]، ليرسخ في أذهانهم واحدية أصلهم، ووحدانية معبودهم، وحثهم على الاجتماعوالتَّوَحُّد، ونهاهم عن التشتت والتفرق، وأكد لهم أن النجاح والعز الذي ينشده كلمنهم مرهون بتعاونهم ووحدتهم، وأن ضعفهم وهوانهم ناتج عن تفرقهم وتشتتهم.
واستجـابة لدعوة الإسلام كـوَّن المسلمونمجتمعاً متماسكاً، واستطاعوا بذلك أن يغيروا مجرى التاريخ، وصنعوا للأمة عزاًومجداً ومَنَعَة لم تعهده في ظل أي دعوة أخرى.. ورغم ذلك ظلت جماعات عنصرية تحلمبأنها الصفوة وأنها المتفردة بالنجاة، فـ: ﴿قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَأَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾(البقرة).ولكن الإسلام رفض ذلك المنطق، ووضح حقيقة خالدة تعتبر من أهم مميزاته وعواملانتشاره، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْتَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْأَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّأَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِاللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(123)﴾ ([النساء]. فبين بذلك أن النجاةوالهلاك لا يتعلقان بمجرد الانتماء إلى هذا أو ذاك.
ومع مرور الزمن وبُعْد الناس عن عصر التشريع،وتفاوتهم في درجات المعرفة والذكاء، اختلفوا في تفسير نصوص الشريعة وفَهْم مقاصدها؛غير أن ذلك الخلاف ظل في دائرة التفاهم والحوار الذي لا يفسد للود قضية.
ولكن الأمر تغير عندما تَدَخَّلت الأهواء،وسيطرت المصالح، وفسدت الأخلاق، فتحول الخلاف إلى تفرق ونزاع، واستعيض عن التنافسالبناء بالمهاترة والصراع، وانغمس المثقفون والقراء في وحل الكيد والجدل العقيم.
وازداد الأمر سوءً حينما قُيِّم التفرقوالخصومة على أساس من الدِّين، فروي في ذلك روايات قضت بافتراق المسلمين إلى نيفوسبعين فرقة، وحكمت عليها بالهلاك إلا فرقة، مما شجع على تأصيل الفُرْقَة وتوسيعالشُّقة وتعميق الخلاف، وولَّد عند الفرق إصراراً على دعوى التَّفرد بالحقوالاختصاص بالنجاة، وفي سبيل ذلك قام أتباع كل فرقة بتقديم مميزات فرقتهم وعرضخصائصها على أنها مقومات الحق وعلامات النجاة، (( فكلٌ قد انتحل مقالة وذهب بزعمه إلى ديانة،يرى أنه فيها مصيبٌ لحقٍ، وقاصدٌ في مذهبه بصدق، وهم مَنْ قد ترون وتعاينون منالفرق الكثيرة المختلفين في أقاويلهم، والمتباعدين في مذاهبهم، كل حزب بما لديهمفرحون )) [1]. وعملوا في نفس الوقت على تشويهمخالفيهم لإدراجهم في الفرق الهالكة، واستنفروا لذلك القرائح وحشدوا البراهين،وكأن الإسلام لم يأت إلا لتأييد هذه الفرقة والتنفير عن تلك.
وهكذا تحولت المدارس الفكرية إلى أحزابيُرْهِبُ بعضها بعضاً بسلاح التضليل والتكفير وإشعال نار الفتن، بل تعدى ذلك فيبعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة، تسفك فيها الدماء وتستباح الأموال وتنتهكالأعراض!!
وفي ظل ذلك الوضع المضطرب لقي ما يعرف بـ(حديثالافتراق) مجالاً واسعاً يتحرك فيه، حيث تناقله الناس وتجاذبته الفرق، فاشتهر حتىصار يحكى كواحد من الأحاديث المسلَّمة التي لا نزاع في صحتها، وساعد على ذلكأمران:
الأول:الانقسامات التي عاشها المسلمون عند ظهور الفِرَق، فقد بادرت كل فرقة إلى روايتهبدون فحص كاف لمدى صحة ثبوته، وبذلك انتشر في كتب سائر الفرق، (( فكلفرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول، وتزعم أنها هي الناجية ))[2].
الثاني:حرص الحكام على الترويج له ليكون ذريعة لقمع خصومهم، بحجة أن الحاكم وأعوانهيمثلون جماعة أهل الحق الناجين، وعليه فالخارجون عليهم من أي جهة كانوا، ومهماكانت مطالبهم، فِرَق هالكة يتعين القضاء عليها، فهو من أكثر الأحاديث رواجاً فيأوساط السلاطين.
وهذا يعني أن جملة من الظروف والأسباب كانتوراء تكثير روايات ذلك الحديث، مما جعل بعض المؤلفين يزعم أنه متلقى بالقبول، بلذهب بعضهم بعيداً فزعم أنه من قسم المتواتر المعلوم من ضرورة الدين.
والواقع أن كثرة الروايات والدعاوى التي تحيطبالحديث، ليست كافية لتصحيحه، فإننا إذا تأملنا في رواياته وجدنا أنَّ أياً منهالا يخلو من علة قادحة، وذلك ما منع المتحمسين له - كابن تيمية والألباني - منتصحيحه إلا على أساس أن رواياته المتعددة يشد بعضها بعضاً، وذلك لا يصح أن يكونمقياساً للصحة على الإطلاق، خصوصاً عند اختلاف ألفاظ الروايات اختلافاً يؤثر فيالمعنى؛ (( فالتقويةبكثرة الطرق ليست على إطلاقها، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه، كما يبدو ذلك في كتبالتخريج والعلل وغيرها، وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له، ولا إشكال في معناه )) [3].
وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية إعادة النظر فيالمسلمات الفكرية الموروثة التي لا تعتمد على حجج بَيِّنَة، ودراستها بجرأة وعمقبعيداً عن أي مؤثرات تشوش الفطرة وتؤثر على حرية التفكير؛ وذلك لما في البحثالدقيق النَّزيه من إثراء للفكر، واكتشافٍ للحقيقة، ورسوخ للعقيدة الصحيحة.
فليس هنالك ما يدعو للقلق على مصير بعضالأفكار والثوابت، عند ما تتعرض للدراسة والنَّقد، لأننا نعتقد أن الفكر الإسلامييُعتبر خلاصة الحقيقة ولبَّها، وأن كثرة البحث والتتبع في أي شيء من حقائقه لايزيده إلا نضارة ورسوخاً، بل أكد القرآن الكريم على ضرورة فرض رقابة فكرية - منخلال البحث والتَّقصِّي - على كل ما ينسب إلى الدين، قال تعالى : ﴿وَلاتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَكُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا(36)﴾[الإسراء]. وأمرنا بالسؤال والتَّفَكر، ودعانا إلى الحوار المنصف المعتمد علىالدليل والبرهان فقال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوابُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾[البقرة]، وذلك هو الطريق الصحيح للكشف عن حقائق الأشياء، والوسيلة الناجحة لتقويم الأفكاروتنقيتها، والباعث على الثقة والاطمئنان، فهاهو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلاميسأل ربه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِيالْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[البقرة:260].
فما كان له صلة بالحقيقة فإنه يستحق الكفاح منأجل ترسيخه، وما كان دخيلاً على الفكر أو ملصقاً به فإن علينا التخلص منه بلاتردد، مهما كان أثره في حِيَاطة ذواتنا، وإشباع رغباتنا وميولنا الفكري، كي لا نظلنتقلب في أحضان قناعات وهمية، ونجهد أنفسنا في الجري خلف بريق سراب خادع.
وقد وجدت أن من المواضيع التي يحسن دراستهاووضعها تحت مجهر التحقيق والبحث موضوع (حديث افتراق الأمة) وما يترتب عليه؛ لأسبابعدة منها:
(1) أنه يصوِّر للمسلمين أن الفُرقة قَدَرُهم،وأنه قد قُضِيَ عليهم بالتمزُّق، وأنه لا أمل لهم في الوحدة ولمِّ الشمل، ومنثَمَّ فليس أمامهم إلا التعصب الطائفي وكيل الدعاوى والتَّقولات على بعضهم البعض،وفي ذلك ما فيه من تمزيق شمل الأمة وتهيئة أجواء العداوة والتباغض والتفرق المذمومالذي نهى الله تعالى عنه في كتابه الكريم.
(2) أنه صنع حواجز نفسية بين المسلمين، بحيثصار أتباع المذاهب يتعاملون فيما بينهم وكأنهم من ديانات مختلفة، حتى أن بعضهميعتقد بطلان صلاته مع مخالفيه، ولا يتعامل معهم ـ إن اضطر إلى ذلك ـ إلا بضرب منالمجاملة، بعيداً عن الأخوة الإسلامية الصادقة. بل صار بعضهم يُفَضِّل التعامل معأصحاب الديانات المختلفة ولا يطيق مخالفه من المسلمين، فقد ذكر ابن تيمية أن ابنالمبارك سئل عن الجهمية، "فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد، وكان يقول: إنالنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية !! وهذا الذي قالهاتبعه عليه طائفة من العلمـاء من أصحـاب أحمد وغيرهم" [4]!!
(3) أنه أو قع كثيراً من الجماعات في حبائلالتعصب والتشبث بالدعاوى الفارغة، فكم من خيال طُرح كحقيقة مُسلَّمة، وكم من إشاعةلا وزن لها اعتبرت جزءاً من تاريخ المسلمين وثقافتهم، وكم مِن دعوى فارغة أصبحت -مع التعصب - محك الإيمان والاستقامة، وبُنيت عليها مواقف الولاء والبراء، وفي مقابلذلك تُطْمَس آراء سديدة، وتُسْحَق أفكار نيِّرة تحت أقدام التعصب المَقِيت،والتحجُّر القاتل.
(4) أنه جعل للفِرَق شرعية في تضليل بعضهابعضاً، حيث صار بعض علماء الطوائف ـ ولا أقول كلهم ـ يعيشون حالة من ردود الفعلالسلبية التي جعلتهم يهدرون قدراتهم في سبيل تشويه مخالفيهم، وكثيراً ما يقعالإنسان في ظل الخصومة في أشياء مقطوع بحرمتها، كالظلم، والتقول على الآخرين بغيرالحق، والسعي لطمس الحقائق، والمبالغة في المدح والقدح، وبذلك يتحول المجتمع إلىحلبة للصراع الوهمي بدلاً من الحوار البناء الذي يحقق للمسلمين الرقي والاستقامة.
وما كان من الأحاديث والأفكار له تلك الآثارالسلبية فلابد من التحقيق في أصل نشأته، والتأكد من صحة ثبوته، ودراسة معانيه ومايترتب عليها بإمعان.
وقد أثار الكلام عنحديث الافتراق غير واحد من العلماء السابقين والمعاصرين ولكن بشكل موجز، وكان ممنتعرض لهذا الحديث:
العلامة أحمد بن عليمطير المتوفى (1068 هـ)[5] - وهو من علماء الزيدية في اليمن – فقد سؤل عنه فرأىعدم التعويل عليه لعدة أسباب، منها:
* أنه مروي عن معاويةوعبد الله بن عمر بن العاص، وليست روايتهما كرواية غيرهما من الصحابة في درجةالقبول.
* وأنه آحادي لا يبنىعليه قاعدة دينية خصوصا مع وجود المعارض.
* أن فيه إجمالوإبهام يشكك المسلمين في أنفسهم، مع أن الدين قد بين أن المؤمن هو المستحق للنجاةوالكافر هو المستحق للهلاك، مؤكدا على أن الخلاف بين المسلمين ليس تفرقاً، إذ مرجعالجميع إلى الكتاب والسنة، واختلافهم في ذلك كاختلاف الصحابة الذين اُعتبر ماكانوا عليه ـ في بعض الروايات ـ علامة للنجاة، منبها على عدم صحة دعوى من أدعى منالمذاهب أن النجاة حكر عليه.
* ورأى انه معارضللقرآن الكريم من عدة وجوه:
منها: أن الله بين أنالناس فريقين مؤمن ناج وكافر هالك فقال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِفَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)﴾[الروم]. ولم يعدد فرقاً وجماعات.
ومنها: أن الله وصفهذه الأمة بالخيرة، والوسطية، وجعلها شهيدة على سائر الأمم، فكيف تكون أكثرهاتفرقا، وأسوؤها نصيبا في النجاة؟
وقد أثارت هذهالرسالة موجة من الاستنكار، كما هي العادة عند تجاوز المألوف المتوارث، فأجاب عليهالعلامة محمد بن الحسن بن الإمام القاسم المتوفى (1079هـ)، فركز على أن الحديث رويمن طرق أخرى غير طريق معاوية وعمر بن العاص، وهذا صحيح، وبيناً وأن الاختلاف بينالأمة واقع بالفعل، وهذا صحيح غير أنه ليس كل اختلاف مذموم يؤدي إلى الهلاك،والقسمة العددية ليس لها واقع كما سنبين ذلك إن شاء الله.
ورد على مطير أيضا العلامة محمد بن إبراهيم بنالمفضل المتوفى (1085 هـ) ببحث بعنوان: (الإشارة المهمة إلى صحة حديث افتراقالأمة) هو بحث لا يتجاوز صفحتين، اعتمد فيه على ما ذكر ابن الجوزي في كتاب(الموضوعات).
وأفرد العلامة محمدبن إسماعيل الأمير المتوفى (2811 هـ) للكلام على هذا الحديث رسالة قرر فيها صحةالحديث، ولكنه حاول حمله على معان تتناسب مع غيره من الأحاديث، وقد أشرت إلى خلاصةأفكاره أثناء هذا البحث.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم علىسيدنا محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد ..
فإن مما لاشك فيه أن الإنسان بطبيعته يميل إلىالإلفة، ويفضل العيش ضمن إطار متماسك، يستوعب الكفاءات ويوحد الطاقات، ولذا عملتالبشرية على تكوين مجتمعات منذ فجر التاريخ، ولكن اختلاف طبائع البشر ومصالحهم،أدى إلى تنافر وخصومة بين تلك المجتمعات، فبعث الله الأنبياء لينظموا علاقة البشرببعضهم على مستوى الفرد والجماعة، فبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا للأمة،ولكن ذلك لم يمنع دعاوى التفرد بالحق والاختصاص بالدين، فما زالت بعض الجماعات ترىأن النجاة حكر عليها فـ﴿وَقَالَتِالْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِالْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَلَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(113)﴾[البقرة].
وعند بزوغ فجر الإسلام كانت البشرية قد بلغتالمدى من العداوة والتشرذم، حيث أصبحت المجتمعات شيعاً وأحزاباً متنافرة، تمزقهاالخصومة وتستنِزف طاقتها العداوة والأحقاد، فعمل على لمَّ شعث الناس، وجمع شتاتهم،وأبدلهم بالتنافر إلفة وبالعداوة محبة، ونادى فيهم: ﴿إِنَّهَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)﴾[الأنبياء]، ليرسخ في أذهانهم واحدية أصلهم، ووحدانية معبودهم، وحثهم على الاجتماعوالتَّوَحُّد، ونهاهم عن التشتت والتفرق، وأكد لهم أن النجاح والعز الذي ينشده كلمنهم مرهون بتعاونهم ووحدتهم، وأن ضعفهم وهوانهم ناتج عن تفرقهم وتشتتهم.
واستجـابة لدعوة الإسلام كـوَّن المسلمونمجتمعاً متماسكاً، واستطاعوا بذلك أن يغيروا مجرى التاريخ، وصنعوا للأمة عزاًومجداً ومَنَعَة لم تعهده في ظل أي دعوة أخرى.. ورغم ذلك ظلت جماعات عنصرية تحلمبأنها الصفوة وأنها المتفردة بالنجاة، فـ: ﴿قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَأَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾(البقرة).ولكن الإسلام رفض ذلك المنطق، ووضح حقيقة خالدة تعتبر من أهم مميزاته وعواملانتشاره، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْتَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْأَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّأَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِاللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا(123)﴾ ([النساء]. فبين بذلك أن النجاةوالهلاك لا يتعلقان بمجرد الانتماء إلى هذا أو ذاك.
ومع مرور الزمن وبُعْد الناس عن عصر التشريع،وتفاوتهم في درجات المعرفة والذكاء، اختلفوا في تفسير نصوص الشريعة وفَهْم مقاصدها؛غير أن ذلك الخلاف ظل في دائرة التفاهم والحوار الذي لا يفسد للود قضية.
ولكن الأمر تغير عندما تَدَخَّلت الأهواء،وسيطرت المصالح، وفسدت الأخلاق، فتحول الخلاف إلى تفرق ونزاع، واستعيض عن التنافسالبناء بالمهاترة والصراع، وانغمس المثقفون والقراء في وحل الكيد والجدل العقيم.
وازداد الأمر سوءً حينما قُيِّم التفرقوالخصومة على أساس من الدِّين، فروي في ذلك روايات قضت بافتراق المسلمين إلى نيفوسبعين فرقة، وحكمت عليها بالهلاك إلا فرقة، مما شجع على تأصيل الفُرْقَة وتوسيعالشُّقة وتعميق الخلاف، وولَّد عند الفرق إصراراً على دعوى التَّفرد بالحقوالاختصاص بالنجاة، وفي سبيل ذلك قام أتباع كل فرقة بتقديم مميزات فرقتهم وعرضخصائصها على أنها مقومات الحق وعلامات النجاة، (( فكلٌ قد انتحل مقالة وذهب بزعمه إلى ديانة،يرى أنه فيها مصيبٌ لحقٍ، وقاصدٌ في مذهبه بصدق، وهم مَنْ قد ترون وتعاينون منالفرق الكثيرة المختلفين في أقاويلهم، والمتباعدين في مذاهبهم، كل حزب بما لديهمفرحون )) [1]. وعملوا في نفس الوقت على تشويهمخالفيهم لإدراجهم في الفرق الهالكة، واستنفروا لذلك القرائح وحشدوا البراهين،وكأن الإسلام لم يأت إلا لتأييد هذه الفرقة والتنفير عن تلك.
وهكذا تحولت المدارس الفكرية إلى أحزابيُرْهِبُ بعضها بعضاً بسلاح التضليل والتكفير وإشعال نار الفتن، بل تعدى ذلك فيبعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة، تسفك فيها الدماء وتستباح الأموال وتنتهكالأعراض!!
وفي ظل ذلك الوضع المضطرب لقي ما يعرف بـ(حديثالافتراق) مجالاً واسعاً يتحرك فيه، حيث تناقله الناس وتجاذبته الفرق، فاشتهر حتىصار يحكى كواحد من الأحاديث المسلَّمة التي لا نزاع في صحتها، وساعد على ذلكأمران:
الأول:الانقسامات التي عاشها المسلمون عند ظهور الفِرَق، فقد بادرت كل فرقة إلى روايتهبدون فحص كاف لمدى صحة ثبوته، وبذلك انتشر في كتب سائر الفرق، (( فكلفرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول، وتزعم أنها هي الناجية ))[2].
الثاني:حرص الحكام على الترويج له ليكون ذريعة لقمع خصومهم، بحجة أن الحاكم وأعوانهيمثلون جماعة أهل الحق الناجين، وعليه فالخارجون عليهم من أي جهة كانوا، ومهماكانت مطالبهم، فِرَق هالكة يتعين القضاء عليها، فهو من أكثر الأحاديث رواجاً فيأوساط السلاطين.
وهذا يعني أن جملة من الظروف والأسباب كانتوراء تكثير روايات ذلك الحديث، مما جعل بعض المؤلفين يزعم أنه متلقى بالقبول، بلذهب بعضهم بعيداً فزعم أنه من قسم المتواتر المعلوم من ضرورة الدين.
والواقع أن كثرة الروايات والدعاوى التي تحيطبالحديث، ليست كافية لتصحيحه، فإننا إذا تأملنا في رواياته وجدنا أنَّ أياً منهالا يخلو من علة قادحة، وذلك ما منع المتحمسين له - كابن تيمية والألباني - منتصحيحه إلا على أساس أن رواياته المتعددة يشد بعضها بعضاً، وذلك لا يصح أن يكونمقياساً للصحة على الإطلاق، خصوصاً عند اختلاف ألفاظ الروايات اختلافاً يؤثر فيالمعنى؛ (( فالتقويةبكثرة الطرق ليست على إطلاقها، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه، كما يبدو ذلك في كتبالتخريج والعلل وغيرها، وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له، ولا إشكال في معناه )) [3].
وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية إعادة النظر فيالمسلمات الفكرية الموروثة التي لا تعتمد على حجج بَيِّنَة، ودراستها بجرأة وعمقبعيداً عن أي مؤثرات تشوش الفطرة وتؤثر على حرية التفكير؛ وذلك لما في البحثالدقيق النَّزيه من إثراء للفكر، واكتشافٍ للحقيقة، ورسوخ للعقيدة الصحيحة.
فليس هنالك ما يدعو للقلق على مصير بعضالأفكار والثوابت، عند ما تتعرض للدراسة والنَّقد، لأننا نعتقد أن الفكر الإسلامييُعتبر خلاصة الحقيقة ولبَّها، وأن كثرة البحث والتتبع في أي شيء من حقائقه لايزيده إلا نضارة ورسوخاً، بل أكد القرآن الكريم على ضرورة فرض رقابة فكرية - منخلال البحث والتَّقصِّي - على كل ما ينسب إلى الدين، قال تعالى : ﴿وَلاتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَكُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا(36)﴾[الإسراء]. وأمرنا بالسؤال والتَّفَكر، ودعانا إلى الحوار المنصف المعتمد علىالدليل والبرهان فقال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوابُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾[البقرة]، وذلك هو الطريق الصحيح للكشف عن حقائق الأشياء، والوسيلة الناجحة لتقويم الأفكاروتنقيتها، والباعث على الثقة والاطمئنان، فهاهو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلاميسأل ربه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِيالْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[البقرة:260].
فما كان له صلة بالحقيقة فإنه يستحق الكفاح منأجل ترسيخه، وما كان دخيلاً على الفكر أو ملصقاً به فإن علينا التخلص منه بلاتردد، مهما كان أثره في حِيَاطة ذواتنا، وإشباع رغباتنا وميولنا الفكري، كي لا نظلنتقلب في أحضان قناعات وهمية، ونجهد أنفسنا في الجري خلف بريق سراب خادع.
وقد وجدت أن من المواضيع التي يحسن دراستهاووضعها تحت مجهر التحقيق والبحث موضوع (حديث افتراق الأمة) وما يترتب عليه؛ لأسبابعدة منها:
(1) أنه يصوِّر للمسلمين أن الفُرقة قَدَرُهم،وأنه قد قُضِيَ عليهم بالتمزُّق، وأنه لا أمل لهم في الوحدة ولمِّ الشمل، ومنثَمَّ فليس أمامهم إلا التعصب الطائفي وكيل الدعاوى والتَّقولات على بعضهم البعض،وفي ذلك ما فيه من تمزيق شمل الأمة وتهيئة أجواء العداوة والتباغض والتفرق المذمومالذي نهى الله تعالى عنه في كتابه الكريم.
(2) أنه صنع حواجز نفسية بين المسلمين، بحيثصار أتباع المذاهب يتعاملون فيما بينهم وكأنهم من ديانات مختلفة، حتى أن بعضهميعتقد بطلان صلاته مع مخالفيه، ولا يتعامل معهم ـ إن اضطر إلى ذلك ـ إلا بضرب منالمجاملة، بعيداً عن الأخوة الإسلامية الصادقة. بل صار بعضهم يُفَضِّل التعامل معأصحاب الديانات المختلفة ولا يطيق مخالفه من المسلمين، فقد ذكر ابن تيمية أن ابنالمبارك سئل عن الجهمية، "فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد، وكان يقول: إنالنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية !! وهذا الذي قالهاتبعه عليه طائفة من العلمـاء من أصحـاب أحمد وغيرهم" [4]!!
(3) أنه أو قع كثيراً من الجماعات في حبائلالتعصب والتشبث بالدعاوى الفارغة، فكم من خيال طُرح كحقيقة مُسلَّمة، وكم من إشاعةلا وزن لها اعتبرت جزءاً من تاريخ المسلمين وثقافتهم، وكم مِن دعوى فارغة أصبحت -مع التعصب - محك الإيمان والاستقامة، وبُنيت عليها مواقف الولاء والبراء، وفي مقابلذلك تُطْمَس آراء سديدة، وتُسْحَق أفكار نيِّرة تحت أقدام التعصب المَقِيت،والتحجُّر القاتل.
(4) أنه جعل للفِرَق شرعية في تضليل بعضهابعضاً، حيث صار بعض علماء الطوائف ـ ولا أقول كلهم ـ يعيشون حالة من ردود الفعلالسلبية التي جعلتهم يهدرون قدراتهم في سبيل تشويه مخالفيهم، وكثيراً ما يقعالإنسان في ظل الخصومة في أشياء مقطوع بحرمتها، كالظلم، والتقول على الآخرين بغيرالحق، والسعي لطمس الحقائق، والمبالغة في المدح والقدح، وبذلك يتحول المجتمع إلىحلبة للصراع الوهمي بدلاً من الحوار البناء الذي يحقق للمسلمين الرقي والاستقامة.
وما كان من الأحاديث والأفكار له تلك الآثارالسلبية فلابد من التحقيق في أصل نشأته، والتأكد من صحة ثبوته، ودراسة معانيه ومايترتب عليها بإمعان.
وقد أثار الكلام عنحديث الافتراق غير واحد من العلماء السابقين والمعاصرين ولكن بشكل موجز، وكان ممنتعرض لهذا الحديث:
العلامة أحمد بن عليمطير المتوفى (1068 هـ)[5] - وهو من علماء الزيدية في اليمن – فقد سؤل عنه فرأىعدم التعويل عليه لعدة أسباب، منها:
* أنه مروي عن معاويةوعبد الله بن عمر بن العاص، وليست روايتهما كرواية غيرهما من الصحابة في درجةالقبول.
* وأنه آحادي لا يبنىعليه قاعدة دينية خصوصا مع وجود المعارض.
* أن فيه إجمالوإبهام يشكك المسلمين في أنفسهم، مع أن الدين قد بين أن المؤمن هو المستحق للنجاةوالكافر هو المستحق للهلاك، مؤكدا على أن الخلاف بين المسلمين ليس تفرقاً، إذ مرجعالجميع إلى الكتاب والسنة، واختلافهم في ذلك كاختلاف الصحابة الذين اُعتبر ماكانوا عليه ـ في بعض الروايات ـ علامة للنجاة، منبها على عدم صحة دعوى من أدعى منالمذاهب أن النجاة حكر عليه.
* ورأى انه معارضللقرآن الكريم من عدة وجوه:
منها: أن الله بين أنالناس فريقين مؤمن ناج وكافر هالك فقال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِفَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)﴾[الروم]. ولم يعدد فرقاً وجماعات.
ومنها: أن الله وصفهذه الأمة بالخيرة، والوسطية، وجعلها شهيدة على سائر الأمم، فكيف تكون أكثرهاتفرقا، وأسوؤها نصيبا في النجاة؟
وقد أثارت هذهالرسالة موجة من الاستنكار، كما هي العادة عند تجاوز المألوف المتوارث، فأجاب عليهالعلامة محمد بن الحسن بن الإمام القاسم المتوفى (1079هـ)، فركز على أن الحديث رويمن طرق أخرى غير طريق معاوية وعمر بن العاص، وهذا صحيح، وبيناً وأن الاختلاف بينالأمة واقع بالفعل، وهذا صحيح غير أنه ليس كل اختلاف مذموم يؤدي إلى الهلاك،والقسمة العددية ليس لها واقع كما سنبين ذلك إن شاء الله.
ورد على مطير أيضا العلامة محمد بن إبراهيم بنالمفضل المتوفى (1085 هـ) ببحث بعنوان: (الإشارة المهمة إلى صحة حديث افتراقالأمة) هو بحث لا يتجاوز صفحتين، اعتمد فيه على ما ذكر ابن الجوزي في كتاب(الموضوعات).
وأفرد العلامة محمدبن إسماعيل الأمير المتوفى (2811 هـ) للكلام على هذا الحديث رسالة قرر فيها صحةالحديث، ولكنه حاول حمله على معان تتناسب مع غيره من الأحاديث، وقد أشرت إلى خلاصةأفكاره أثناء هذا البحث.
السبت أبريل 23, 2016 12:15 pm من طرف ابوصدام عدى
» فرح حسن قرشى ابوعدوى
السبت أبريل 16, 2016 7:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» الغاز الغاز....................وفوازير
الخميس أبريل 14, 2016 9:03 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين................................. ,,,
الخميس أبريل 14, 2016 9:00 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين.........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هو ........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:58 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هى ....................
الخميس أبريل 14, 2016 8:57 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسءله كم مساحه الاتى
الخميس أبريل 14, 2016 8:56 pm من طرف ابوصدام عدى
» اكثر من 200 سؤالاً وجواباً منوعة-أسئلة مسابقات
الخميس أبريل 14, 2016 8:55 pm من طرف ابوصدام عدى