| ||
خلاف المعتزلة والأشعرية نتيجة فلسفة التعليل | ||
بقلم - أ. د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث منهج القرآن الكريم واضح في أن التعليل بالحكم والمصالح هو الأصل في التعليل، يقول الشيخ محمد مصطفى شلبي: إن كتاب الله وسنة رسول الله فيهما الكثير من الأحكام المعللة بالحكم والمصالح..، بل ان ما روي عن الفقهاء المجتهدين من أول الخلفاء الراشدين إلى عصر الأئمة من التعليلات يصور لنا حقيقة التعليل عندهم، وانه يكاد يقتصر على الحكمة حتى لو قال قائل: ان التعليل بالحكمة هو الأصل في التعليل لم يكن في قوله مغالاة، ولا بعد عن الحقيقة. إذا نظرنا إلى الآيات الكريمة التي تتحدث عن الأحكام الشرعية نجد أن كثيراً منها تعلل بالحكم والمصالح، سواء كانت في مجال الشعائر التعبدية - كما سبق- أم في نطاق غيرها، فقد علل الله تعالى تقسيم الفيء على مستحقيه الكثيرين بقوله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ومن المعلوم أن هذا التعليل هو بالحكمة والمصلحة، وليس بالعلة المعروفة لدى علماء الأًصول، وكذلك قوله تعالى في الخمر والميسر: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. وفي السنة نجد نصوصاً كثيرة في التعليل بالحكم والمصالح، منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم عندما استشاره سعد وهو في مرضه أن يوصي بشطر ماله، فلم يوافق، ثم عرض عليه «الثلث» فأجاب صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فهذا تعليل بالحكمة وليس بالعلة. وفي ضوء هذا المنهج كانت تعليلات الصحابة، وبالأخص الخلفاء الراشدين، ونذكر مثالاً واحداً وهو أن جمهور الصحابة الفاتحين للعراق قد عرضوا على عمر -رضي الله عنهم جميعاً- قسمة سواد العراق عليهم مستدلين بظاهر آيات الغنيمة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة خيبر على فاتحيها، فامتنع عمر عن ذلك مستدلاً لذلك بقوله لولا آخر المسلمين ما فَتحَتُ قرية إلاّ قسمتها، كما قسّم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر استشهاداً بالآيات الأربع من سورة الحشر من قوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). وعمر رضي الله عنه علل اجراءه ذلك بالحكم والمصالح وهي مراعاة حقوق الأجيال التالية التي استنبطها من الآيات السابقة، حيث قال: والله ما من أحد من المسلمين إلاّ وله حق من هذا المال أعطى منه أو منع منه، حتى راع بعدن. وعلى هذا المنهج سار الفقهاء الكبار من التابعين ومن تبعهم من أصحاب المذاهب الفقهية في أمثلة كثيرة ليس هذا مجال ذكرها قال الآمدي: لأن المقصود من شرع الاحكام الحِكَم، فشرع الاحكام مع انتقاء الحكمة يقيناً لا يكون مقيداً. ومن هنا كان سبب امتناع جمهور الأصوليين عن التعليل بالحكمة يعود إلى خوفهم من عدم ضبط الأقيسة، حتى لا تترك للمتأخرين، يقول الإمام القرافي: والحكمة هي التي لأجلها صار الوصف علة كذهاب العقل الموجب لجعل الاسكار علة، والمظنة هي الأمر المشتمل على الحكمة الباعثة على الحكم إما قطعاً كالمشقة في السفر، أو احتمالاً كوطء الزوجة بعد العقد في لحوق النسب، فما خلا عن الحكمة فليس مظنة. ثانياً: خلاف فلسفي فيه لا أثر له على النص والواقع: وقد وقع في هذا الباب خلاف بين العلماء حول تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، لو أثير بصورة عادية وواقعية لما كان هناك مجال للاختلاف بين علماء المسلمين ولكنه صيغ في صورة فلسفية، وفي جو مشحون أدى إلى خلاف كبير بين علماء الكلام، بين المعتزلة من جانب والأشعرية من جانب آخر، حيث قال المعتزلة: إن أفعال الله تعالى كلها معللة، ثم رتبوا عليها القول بأن الله تعالى يجب عليه الصلاح والأصلح، فقرر رئيسهم أبو الهذيل (135-226هـ): إن الله تعالى محسن فلا يفعل إلاّ ما فيه الصلاح، وأن نسبة خلق الشرور إليه تعالى ليست حقيقة، بل مجاز، فقال: إن الله يخلق الشر الذي هو مرض، والسيئات التي هي عقوبات، وهو شر في المجاز، وسيئات في المجاز فهذه الفكرة فلسفية مسندة إلى أفلاطون، فقد نقل عنه الشهرستاني قوله: فمن المؤكد أن الله صالح.... وإذا كان صالحاً فإنه لا يصنع الشر، ولا يكون سبباً فيه..... إذن فهذه الفكرة تؤدي إلى عزل الخالق عن خلق جزء كبير من الأفعال وهو يصطدم مع النصوص القرآنية الدالة على أن الله تعالى هو خالق كل شيء، وكل ما يقع فيه، فقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فقد بدأت الآية بتقرير الوحدانية المطلقة لله تعالى التي تقتضي أن يكون الخالق لكل شيء واحداً، وإلاّ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) وقال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) وقال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). وإذا كانت بعض الآيات أسندت الشر والسيئة إلى الإنسان مثل قوله تعالى وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ لكن الآية لم تسند الخلق إليه، وإنما أضاف السيئة إلى الإنسان من حيث إن لها دوراً فيها من حيث إنه أرادها، وسعى لها وأخذ بأسبابها الظاهرة، ولكن هذه القدرة تعود أيضاً إلى الله تعالى فهو الذي منحها إياه، وخلقها له، فهذه الآية تقرر مبدأ المسؤولية القائمة على رادة، والكسب، ولذلك أضافها إلى نفس الإنسان فقال تعالى في آية أخرى: ( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) أي بسبب ذنوبه، ولذلك قرر الله تعالى في نفس المعنى والإطار أن خلق السيئة من الله تعالى بعدما يريدها الإنسان، ويقدم عليها على ضوء سننه في الكون، سننه في المسؤولية والمحاسبة والثواب والعقاب، فقال تعالى: ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) حيث قرر الله تعالى في مقام العقيدة والخلق بأن كل شيء إلى الله تعالى فله الأمر والخلق. نعم إن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا الشرور، ولكن إذا هم أرادوا ذلك فإن كل شيء لا يخرج عن إرادته وخلقه وتكوينه وقدرته. وكرد فعل للأشاعرة على نتائج مقولة المعتزلة هذه بالغوا فنفوا تعليل الأفعال، وأضافوا إليها الأحكام في باب العقيدة وعلم الكلام، وأفحم الأشعري شيخه الجبائي (ت295هـ) حينما قال: لماذا خلق الله تعالى الكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة حيث بهت الجبائي وترك الأشعري مذهبه، وبنى مذهبه الجديد الذي سمي بالأشعرية، لذلك فمعظم الأشاعرة حينما تحدثوا عن تعليل الأحكام في علم أصول الفقه ذهبوا إلى أنها معللة، بل إن أبا الحسن الأشعري نفسه نصّ على أنه لا قياس إلاّ على أصل معلول فيه علة يجب أن تطرد في الفرع. ونحن هنا لا يهمنا هذا الخلاف الفلسفي، ونستبعده، وبالتالي نستطيع القول بأن الخلاف في الفقه وأصوله محصور بين جماهير الفقهاء والأصوليين القائلين بتعليل الأحكام، وبين الظاهرية وقلة من القائلين بعدمه، ولكن كلام الظاهرية أيضاً لا بد أن يحصر في دائرة العلة التي يبنى عليها القياس، حيث إنهم لما نفوا القياس نفوا كذلك العلة، ولكنهم لا يقولون بتجريد الخلق والأفعال والأحكام عن المقاصد والغايات. وقد نقل ابن الحاجب في الكلام عن السبر والتقسيم: إجماع الفقهاء على أنه لا بد للحكم من علة، وقال ابن رحال: قال أصحابنا: الدليل على أن الأحكام كلها مشروعة لصالح العباد إجماع الأمة على ذلك: إما على جهة اللطف والفضل على أصلنا - أي أصل السنة- أو على جهة الوجوب على أصل المعتزلة. |
مطلوب مشرفين
كرة المتواجدون
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر
لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 27 بتاريخ الخميس مايو 11, 2017 4:21 pm
احصائيات
أعضاؤنا قدموا 1607 مساهمة في هذا المنتدى في 1412 موضوع
هذا المنتدى يتوفر على 827 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو مظلات وسواتر فمرحباً به.
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 فاتحي مواضيع
المواضيع الأكثر نشاطاً
المواضيع الأكثر شعبية
خلاف المعتزلة والأشعرية نتيجة فلسفة التعليل
- مساهمة رقم 1
خلاف المعتزلة والأشعرية نتيجة فلسفة التعليل
» تحميل كتب فلسفة ، كتب فلسفة اغريقيه ، فلسفة يونانية ، ملخصات كتب فلسفة بروابط تحميل مباشر
» خلاف شرعي حسب مذهب اهل السنة والجماعة
» ما وقع بين السلف الصالح من خلاف في الشريعة كان عرضاً لا قصداً:
» نتيجة الشهادة الاعدادية من موقع وزارة التربية والتعليم تيجة الشهادة الاعدادية من موقع وزارة التربية والتعليم 2013 نتيجة الشهادة الاعدادية 2013 موقع وزارة التربية والتعليم نتيجة الشهادة الاعدادية 2013 موقع وزارة التربية والتعليم في مصر كتبت – ندى المصري:
» نتيجة الصف الخامس الابتدائى الازهرى
» خلاف شرعي حسب مذهب اهل السنة والجماعة
» ما وقع بين السلف الصالح من خلاف في الشريعة كان عرضاً لا قصداً:
» نتيجة الشهادة الاعدادية من موقع وزارة التربية والتعليم تيجة الشهادة الاعدادية من موقع وزارة التربية والتعليم 2013 نتيجة الشهادة الاعدادية 2013 موقع وزارة التربية والتعليم نتيجة الشهادة الاعدادية 2013 موقع وزارة التربية والتعليم في مصر كتبت – ندى المصري:
» نتيجة الصف الخامس الابتدائى الازهرى
السبت أبريل 23, 2016 12:15 pm من طرف ابوصدام عدى
» فرح حسن قرشى ابوعدوى
السبت أبريل 16, 2016 7:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» الغاز الغاز....................وفوازير
الخميس أبريل 14, 2016 9:03 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين................................. ,,,
الخميس أبريل 14, 2016 9:00 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين.........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هو ........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:58 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هى ....................
الخميس أبريل 14, 2016 8:57 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسءله كم مساحه الاتى
الخميس أبريل 14, 2016 8:56 pm من طرف ابوصدام عدى
» اكثر من 200 سؤالاً وجواباً منوعة-أسئلة مسابقات
الخميس أبريل 14, 2016 8:55 pm من طرف ابوصدام عدى