المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه [تعديل]
أدام الله عزتكم، وأبقى بركتكم، وحجب عيون النوائب عنكم.
لما فقتم بجودة ذهنكم وكريم طبعكم كثيراً ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى
نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في علم القديم سبحانه، مع كونه
متعلقاً بالأشياء المحدثة عنه، وجب علينا لمكان الحق ولمكان إزالة هذه
الشبهة عنكم أن نحل هذا الشك بعد أن نقول في تقريره. فان من لم يعرف الربط
لم يقدر على الحل.
والشك يلزم هكذا: إن كانت هذه كلها في علم الله سبحانه قبل أن تكون، فهل
هي في حال كونها في علمه كما كانت فيه قبل كونها؟ أم هي في علمه في حال
وجودها على غير ما كانت عليه في علمه قبل أن توجد؟ فإن قلنا أنها في علم
الله في حال وجودها على غير ما كانت عليه في علمه قبل أن توجد، لزم أن يكون
العلم القديم متغيرا، وأن يكون إذا خرجت من العدم إلى الوجود قد حدث هنالك
علم زائد. وذلك مستحيل على العلم القديم. وإن قلنا في العلم بها واحد في
الحالتين، قيل فهل هي في نفسها - أعني الموجودات الحادثة - قبل أن توجد كما
هي حين ما وجدت؟ فسيجب أن يقال ليست في نفسها قبل أن توجد كما هي حين ما
وجدت، وإلا كان الموجود والمعدوم واحداً.
فإذا سلم الخصم هذا، قيل له: أفليس العلم الحقيقي هو معرفة الوجود على
ما هو عليه؟ فإذا قال: نعم، قيل: فيجب على هذا إذا اختلف الشيء في نفسه أن
يكون العلم به ويختلف، وإلا فقد علم على غير ما هو عليه. فإذاً يجب أحد
أمرين: أما أن يختلف العلم القديم في نفسه، أو تكون الحادثات غير معلومة
له، وكلا الأمرين مستحيل عليه سبحانه.
ويؤكد هذا الشك ما يظهر من حال الإنسان، أعني من تعلق علمه بالأشياء
المعدومة على تقدير الوجود وتعلق علمه بها إذا وجدت. فانه من البين بنفسه
أن العلمين متغايران، وإلا كان جاهلاً بوجودها في الوقت الذي وجدت فيه.
وليس ينجي من هذا ما جرت به عادة المتكلمين في الجواب عن هذا، بأنه
تعالى يعلم الأشياء قبل كونها على ما تكون عليه في حين كونها من زمان ومكان
وغير ذلك من الصفات المختصة بموجود موجود. فإنه يقال لهم: فإذا وجدت، فهل
حدث هنالك تغير أو لم يحدث؟ وهو خروج الشيء من العدم إلى الوجود. فإن
قالوا: لم يحدث فقد كابروا. وإن قالوا: حدث هناك تغير، قيل لهم: فهل حدوث
هذا التغير معلوم للعلم القديم أم لا؟ فيلزم الشك المتقدم. وبالجملة فيعسر
أن يتصور أن العلم بالشيء قبل أن يوجد والعلم به بعد أن وجد علم واحد
بعينه. فهذا هو تقرير هذا الشك على أبلغ ما يمكن أن يقرر به، على ما
فاوضناكم فيه.
وحل هذا الشك يستدعي كلاماً طويلاً، إلا أنا ههنا نقصد للنكتة التي بها ينحل.
وقد رام أبو حامد حل هذا الشك في كتابه الموسوم التهافت بشيء ليس فيه
مقنع، وذلك أنه قال قولاً معناه هذا: وهو أنه زعم أن العلم والمعلوم من
المضاف، وكما أنه قد يتغير أحد المضافين ولا يتغير المضاف الآخر في نفسه،
كذلك يشبه أن يعرض للأشياء في علم الله سبحانه، أعني أن تتغير في أنفسها
ولا يتغير علمه سبحانه بها. ومثال ذلك في المضاف أنه قد تكون الاسطوانة
الواحدة يمنة زيد ثم تعود يسرته وزيد بعد لم يتغير في نفسه. وليس بصادق.
فإن الإضافة قد تغيرت في نفسها، وذلك أن الإضافة التي كانت يمنة قد عادت
يسرة، وإنما الذي لن يتغير هو موضوع الإضافة، أعني الحامل لها الذي هو زيد.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان العلم هو نفس الإضافة، فقد يجب أن يتغير عند تغير
المعلوم، كما تتغير الاسطوانة إلى زيد عند تغيرها، وذلك إذا عادت يسرة بعد
أن كانت يمنة.
والذي ينحل به هذا الشك عندنا هو أن يعرف أن الحال في العلم القديم مع
الموجود خلاف الحال في العلم المحدث مع الموجود، وذلك أن وجود الموجود هو
علة وسبب لعلمنا، والعلم القديم هو علة وسبب للموجود. فلو كان، إذا وجد
الموجود بعد أن لم يوجد، حدث في العلم القديم علم زائد كما يحدث ذلك في
العلم المحدث، للزم أن يكون العلم القديم معلولاً للموجود لا علة له. فإذاً
واجب أن لا يحدث هنالك تغير كما يحدث في العلم المحدث. وإنما أتى هذا
الغلط من قياس العلم القديم على العلم المحدث، وهو قياس الغائب على الشاهد.
وقد عرف فساد هذا القياس. وكما أنه لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود
مفعوله، أعني تغيراً لم يكن قبل ذلك، كذلك لا يحدث في العلم القديم سبحانه
تغير عند حدوث معلومه، عنه.
فإذاً قد انحل الشك، ولم يلزمنا أنه إذا لم يحدث هنالك تغير، أعني في
العلم القديم، فليس يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه، وإنما لزم
/ألا يعلمه بعلم محدث إلا بعلم قديم/، لأن حدوث التغير في العلم عند تغير
الموجود إنما هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو العلم المحدث.
فإذاً العلم القديم إنما يتعلق بالموجودات على صفة غير الصفة التي يتعلق
بها العلم المحدث، لا أنه غير متعلق أصلاً كما حكي عن الفلاسفة أنهم
يقولون لموضع هذا الشك أنه سبحانه لا يعلم الجزئيات. وليس الأمر كما توهم
عليهم، بل يرون أنه لا يعلم الجزئيات بالعلم المحدث الذي من شرطه الحدوث
بحدوثها، إذ كان علة لها لا معلولاً عنها كالحال في العلم المحدث. وهذا هو
غاية التنزيه الذي يجب أن يعترف به.
فإنه قد اضطر البرهان إلى أنه عالم بالأشياء لأن صدورها عنه إنما هو من
جهه أنه عالم، لا من جهة أنه موجود فقط أو موجود بصفة كذا، بل من جهة أنه
عالم، كما قال تعالى: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) وقد اضطر
البرهان إلى أنه غير عالم بها بعلم هو على صفة العلم المحدث. فواجب أن يكون
هنالك للموجودات علم آخر لا يكيف، وهو العلم القديم سبحانه. وكيف يمكن أن
يتصور أن المشائين من الحكماء يرون أن العلم القديم لا يحيط بالجزئيات، وهم
يرون أنه سبب الإنذار في المنامات والوحي وغير ذلك من أنواع الإلهامات؟
فهذا ما ظهر لنا في وجه حل هذا الشك، وهو أمر لا مرية فيه ولا شك. والله
الموفق للصواب والمرشد للحق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدام الله عزتكم، وأبقى بركتكم، وحجب عيون النوائب عنكم.
لما فقتم بجودة ذهنكم وكريم طبعكم كثيراً ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى
نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في علم القديم سبحانه، مع كونه
متعلقاً بالأشياء المحدثة عنه، وجب علينا لمكان الحق ولمكان إزالة هذه
الشبهة عنكم أن نحل هذا الشك بعد أن نقول في تقريره. فان من لم يعرف الربط
لم يقدر على الحل.
والشك يلزم هكذا: إن كانت هذه كلها في علم الله سبحانه قبل أن تكون، فهل
هي في حال كونها في علمه كما كانت فيه قبل كونها؟ أم هي في علمه في حال
وجودها على غير ما كانت عليه في علمه قبل أن توجد؟ فإن قلنا أنها في علم
الله في حال وجودها على غير ما كانت عليه في علمه قبل أن توجد، لزم أن يكون
العلم القديم متغيرا، وأن يكون إذا خرجت من العدم إلى الوجود قد حدث هنالك
علم زائد. وذلك مستحيل على العلم القديم. وإن قلنا في العلم بها واحد في
الحالتين، قيل فهل هي في نفسها - أعني الموجودات الحادثة - قبل أن توجد كما
هي حين ما وجدت؟ فسيجب أن يقال ليست في نفسها قبل أن توجد كما هي حين ما
وجدت، وإلا كان الموجود والمعدوم واحداً.
فإذا سلم الخصم هذا، قيل له: أفليس العلم الحقيقي هو معرفة الوجود على
ما هو عليه؟ فإذا قال: نعم، قيل: فيجب على هذا إذا اختلف الشيء في نفسه أن
يكون العلم به ويختلف، وإلا فقد علم على غير ما هو عليه. فإذاً يجب أحد
أمرين: أما أن يختلف العلم القديم في نفسه، أو تكون الحادثات غير معلومة
له، وكلا الأمرين مستحيل عليه سبحانه.
ويؤكد هذا الشك ما يظهر من حال الإنسان، أعني من تعلق علمه بالأشياء
المعدومة على تقدير الوجود وتعلق علمه بها إذا وجدت. فانه من البين بنفسه
أن العلمين متغايران، وإلا كان جاهلاً بوجودها في الوقت الذي وجدت فيه.
وليس ينجي من هذا ما جرت به عادة المتكلمين في الجواب عن هذا، بأنه
تعالى يعلم الأشياء قبل كونها على ما تكون عليه في حين كونها من زمان ومكان
وغير ذلك من الصفات المختصة بموجود موجود. فإنه يقال لهم: فإذا وجدت، فهل
حدث هنالك تغير أو لم يحدث؟ وهو خروج الشيء من العدم إلى الوجود. فإن
قالوا: لم يحدث فقد كابروا. وإن قالوا: حدث هناك تغير، قيل لهم: فهل حدوث
هذا التغير معلوم للعلم القديم أم لا؟ فيلزم الشك المتقدم. وبالجملة فيعسر
أن يتصور أن العلم بالشيء قبل أن يوجد والعلم به بعد أن وجد علم واحد
بعينه. فهذا هو تقرير هذا الشك على أبلغ ما يمكن أن يقرر به، على ما
فاوضناكم فيه.
وحل هذا الشك يستدعي كلاماً طويلاً، إلا أنا ههنا نقصد للنكتة التي بها ينحل.
وقد رام أبو حامد حل هذا الشك في كتابه الموسوم التهافت بشيء ليس فيه
مقنع، وذلك أنه قال قولاً معناه هذا: وهو أنه زعم أن العلم والمعلوم من
المضاف، وكما أنه قد يتغير أحد المضافين ولا يتغير المضاف الآخر في نفسه،
كذلك يشبه أن يعرض للأشياء في علم الله سبحانه، أعني أن تتغير في أنفسها
ولا يتغير علمه سبحانه بها. ومثال ذلك في المضاف أنه قد تكون الاسطوانة
الواحدة يمنة زيد ثم تعود يسرته وزيد بعد لم يتغير في نفسه. وليس بصادق.
فإن الإضافة قد تغيرت في نفسها، وذلك أن الإضافة التي كانت يمنة قد عادت
يسرة، وإنما الذي لن يتغير هو موضوع الإضافة، أعني الحامل لها الذي هو زيد.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان العلم هو نفس الإضافة، فقد يجب أن يتغير عند تغير
المعلوم، كما تتغير الاسطوانة إلى زيد عند تغيرها، وذلك إذا عادت يسرة بعد
أن كانت يمنة.
والذي ينحل به هذا الشك عندنا هو أن يعرف أن الحال في العلم القديم مع
الموجود خلاف الحال في العلم المحدث مع الموجود، وذلك أن وجود الموجود هو
علة وسبب لعلمنا، والعلم القديم هو علة وسبب للموجود. فلو كان، إذا وجد
الموجود بعد أن لم يوجد، حدث في العلم القديم علم زائد كما يحدث ذلك في
العلم المحدث، للزم أن يكون العلم القديم معلولاً للموجود لا علة له. فإذاً
واجب أن لا يحدث هنالك تغير كما يحدث في العلم المحدث. وإنما أتى هذا
الغلط من قياس العلم القديم على العلم المحدث، وهو قياس الغائب على الشاهد.
وقد عرف فساد هذا القياس. وكما أنه لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود
مفعوله، أعني تغيراً لم يكن قبل ذلك، كذلك لا يحدث في العلم القديم سبحانه
تغير عند حدوث معلومه، عنه.
فإذاً قد انحل الشك، ولم يلزمنا أنه إذا لم يحدث هنالك تغير، أعني في
العلم القديم، فليس يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه، وإنما لزم
/ألا يعلمه بعلم محدث إلا بعلم قديم/، لأن حدوث التغير في العلم عند تغير
الموجود إنما هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو العلم المحدث.
فإذاً العلم القديم إنما يتعلق بالموجودات على صفة غير الصفة التي يتعلق
بها العلم المحدث، لا أنه غير متعلق أصلاً كما حكي عن الفلاسفة أنهم
يقولون لموضع هذا الشك أنه سبحانه لا يعلم الجزئيات. وليس الأمر كما توهم
عليهم، بل يرون أنه لا يعلم الجزئيات بالعلم المحدث الذي من شرطه الحدوث
بحدوثها، إذ كان علة لها لا معلولاً عنها كالحال في العلم المحدث. وهذا هو
غاية التنزيه الذي يجب أن يعترف به.
فإنه قد اضطر البرهان إلى أنه عالم بالأشياء لأن صدورها عنه إنما هو من
جهه أنه عالم، لا من جهة أنه موجود فقط أو موجود بصفة كذا، بل من جهة أنه
عالم، كما قال تعالى: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) وقد اضطر
البرهان إلى أنه غير عالم بها بعلم هو على صفة العلم المحدث. فواجب أن يكون
هنالك للموجودات علم آخر لا يكيف، وهو العلم القديم سبحانه. وكيف يمكن أن
يتصور أن المشائين من الحكماء يرون أن العلم القديم لا يحيط بالجزئيات، وهم
يرون أنه سبب الإنذار في المنامات والوحي وغير ذلك من أنواع الإلهامات؟
فهذا ما ظهر لنا في وجه حل هذا الشك، وهو أمر لا مرية فيه ولا شك. والله
الموفق للصواب والمرشد للحق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السبت أبريل 23, 2016 12:15 pm من طرف ابوصدام عدى
» فرح حسن قرشى ابوعدوى
السبت أبريل 16, 2016 7:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» الغاز الغاز....................وفوازير
الخميس أبريل 14, 2016 9:03 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين................................. ,,,
الخميس أبريل 14, 2016 9:00 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله اين.........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:59 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هو ........................
الخميس أبريل 14, 2016 8:58 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسئله ما هى ....................
الخميس أبريل 14, 2016 8:57 pm من طرف ابوصدام عدى
» اسءله كم مساحه الاتى
الخميس أبريل 14, 2016 8:56 pm من طرف ابوصدام عدى
» اكثر من 200 سؤالاً وجواباً منوعة-أسئلة مسابقات
الخميس أبريل 14, 2016 8:55 pm من طرف ابوصدام عدى